Admin Admin
4212 رصيدك الان دولار : 38333 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 30/05/2008 33 الموقع : www.alislverman.mam9.com على الانترنت
| موضوع: قنوت الفجر أبريل 15th 2011, 12:10 | |
| هذا كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله , وهو مأخوذ من مجموع فتاواه الجزء23
سئل ـ رَحمه الله تعالى ـ عن قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان في العشاء الآخرة أو الصبح؟ وما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل عليه عند الصحابة؟
فأجاب:
أما القنوت في صلاة الصبح، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقنت في النوازل. قنت مرة شهراً يدعو على قوم من الكفار قتلوا طائفة من أصحابه، ثم تركه. وقنت مرة أخري يدعو لأقوام من أصحابه كانوا مأسورين عند أقوام يمنعونهم من الهجرة إليه.
وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده كانوا يقنتون نحو هذا القنوت، فما كان يداوم عليه، وما يدعه بالكلية، وللعلماء فيه ثلاثة أقوال:
قيل: إن المداومة عليه سنة. وقيل: القنوت منسوخ. وأنه كله بدعة.
والقول الثالث: ـ وهو الصحيح ـ أنه يسن عند الحاجة إليه، كما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون.
وأما القنوت في الوتر، فهو جائز وليس بلازم، فمن أصحابه من لم يقنت، ومنهم من قنت في النصف الأخير من رمضان، ومنهم من قنت السنة كلها. والعلماء منهم من يستحب الأول كمالك، ومنهم من يستحب الثاني كالشافعي، وأحمد في رواية، ومنهم من يستحب الثالث كأبي حنيفة، والإمام أحمد في رواية، والجميع جائز. فمن فعل شيئاً من ذلك، فلا لوم عليه. والله أعلم.
******************
وقال شيخ الإِسلاَم ـ رَحِمه ُالله:
فصل
وأما القنوت، فالناس فيه طرفان، ووسط:
منهم من لا يري القنوت إلا قبل الركوع، ومنهم من لا يراه إلا بعده. وأما فقهاء أهل الحديث ـ كأحمد وغيره ـ فيجوزون كلا الأمرين لمجيء السنة الصحيحة بهما، وإن اختاروا القنوت بعده؛ لأنه أكثر وأقيس. فإن سماع الدعاء مناسب لقول العبد: سمع الله لمن حمده، فإنه يشرع الثناء على الله قبل دعائه كما بنيت فاتحة الكتاب على ذلك: أولها ثناء، وآخرها دعاء. وأيضاً، فالناس في شرعه في الفجر على ثلاثة أقوال: بعد اتفاقهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر.
منهم من قال: إنه منسوخ، فإنه قنت ثم ترك. كما جاءت به الأحاديث الصحيحة. ومن قال:المتروك هو الدعاء على أولئك الكفار،فلم تبلغه ألفاظ الحديث،أو بلغته فلم يتأملها، فإن في الصحيحين عن عاصم الأحول قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت: هل كان قبل الركوع أو بعده؟ فقال: قبل الركوع. قال: فإن فلانا أخبرني أنك قلت بعد الركوع. قال: كذب، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركوع. أراه بعث قوماً يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلا إلى قوم مشركين ـ دون أولئك ـ وكان بينهم وبين رسول الله عهد، وقنت صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو عليهم. وكذلك الحديث الذي رواه أحمد والحاكم عن الربيع بن أنس، عن أنس أنه قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا، جاء لفظه مفسرا: أنه: ما زال يقنت قبل الركوع. والمراد هنا بالقنوت طول القيام، لا الدعاء. كذلك جاء مفسرا، ويبينه ما جاء في الصحيحين عن محمد بن سيرين قال: قلت لأنس: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، بعد الركوع يسيرا، فأخبر أن قنوته كان يسيرا وكان بعد الركوع، فلما كان لفظ القنوت هو إدامة الطاعة، سمي كل تطويل في قيام أو ركوع أو سجود قنوتاً. كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9]؛ ولهذا لما سئل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن القنوت الراتب قال: ما سمعنا ولا رأينا، وهذا قول.
ومنهم من قال: بل القنوت سنة راتبة، حيث قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت، وروي عنه: أنه ما زال يقنت حتى فارق الدنيا. وهذا قول الشافعي، ثم من هؤلاء من استحبه في جميع الصلوات، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فيهن وجاء ذلك من غير وجه في المغرب والعشاء الآخرة، والظهر. لكن لم يرو أحد أنه قنت قنوتا راتبا بدعاء معروف. فاستحبوا أن يدعو فيه بقنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن على وهو: اللهم، اهدني فيمن هديت... إلى آخره.
وتوسط آخرون من فقهاء الحديث وغيرهم كأحمد وغيره فقالوا: قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت للنوازل التي نزلت به من العدو، في قتل أصحابه، أو حبسهم ونحو ذلك. فإنه قنت مستنصراً، كما استسقي حين الجدب، فاستنصاره عند الحاجة، كاسترزاقه عند الحاجة؛ إذ بالنصر والرزق قوام أمر الناس. كما قال تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 4]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ بدعائهم وصلاتهم واستغفارهم)، وكما قال في صفة الأبدال: (بهم ترزقون، وبهم تنصرون)، وكما ذكر الله هذين النوعين في سورة الملك، وبين أنهما بيده ـ سبحانه ـ في قوله: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك:20، 21]، ثم ترك القنوت. وجاء مفسراً أنه تركه لزوال ذلك السبب.
وكذلك كان عمر ـ رضي الله عنه ـ إذا أبطأ عليه خبر جيوش المسلمين قنت، وكذلك على ـ رضي الله عنه ـ قنت لما حارب من حارب من الخوارج وغيرهم.
قالوا: وليس الترك نسخا، فإن الناسخ لابد أن ينافي المنسوخ، وإذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أمرا لحاجة ثم تركه لزوالها، لم يكن ذلك نسخاً، بل لو تركه تركاً مطلقا، لكان ذلك يدل على جواز الفعل والترك، لا على النهي عن الفعل.
قالوا: ونعلم مطلقاً أنه لم يكن يقنت قنوتا راتباً، فإن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فإنه لم ينقل أحد من الصحابة قط أنه دعا في قنوته في الفجر ونحوها إلا لقوم أو على قوم. ولا نقل أحد منهم قط أنه قنت دائماً بعد الركوع، ولا أنه قنت دائماً يدعو قبله، وأنكر غير واحد من الصحابة القنوت الراتب. فإذا علم هذا علم قطعاً أن ذلك لم يكن كما يعلم: أن حي على خير العمل، لم يكن من الأذان الراتب، وإنما فعله بعض الصحابة لعارض تحضيضاً للناس على الصلاة. فهذا القول أوسط الأقوال، وهو أن القنوت مشروع غير منسوخ، لكنه مشروع للحاجة النازلة، لا سنة راتبة. وهذا أصل آخر في الواجبات، والمستحبات. كالأصل الذي تقدم في ما يسقط بالعذر، فإن كل واحد من الواجبات والمستحبات الراتبة يسقط بالعذر العارض، بحيث لا يبقي لا واجباً ولا مستحباً، كما سقط بالسفر والمرض والخوف كثير من الواجبات والمستحبات. وكذلك ـ أيضاً ـ قد يجب أو يستحب لأسباب العارضة، ما لا يكون واجباً ولا مستحباً راتباً، فالعبادات في ثبوتها وسقوطها تنقسم إلى راتبة وعارضة، وسواء في ذلك ثبوت الوجوب، أو الاستحباب، أو سقوطه. وإنما تغلط الأذهان من حيث تجعل العارض راتباً، أو تجعل الراتب لا يتغير بحال، ومن اهتدي للفرق بين المشروعات الراتبة والعارضة، انحلت عنه هذه المشكلات كثيرا. ************************************************** ********* وسئل: هل قنوت الصبح دائماً سنة؟ ومن يقول: إنه من أبعاض الصلاة التي تجبر بالسجود، وما يجبر إلا الناقص. والحديث (ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الحياة): فهل هذا الحديث من الأحاديث الصحاح؟ وهل هو هذا القنوت؟ وما أقوال العلماء في ذلك؟ وما حجة كل منهم؟ وإن قنت لنازلة: فهل يتعين قوله، أو يدعو بما شاء؟ فأجاب: الحمد للَّه رب العالمين، قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قنت شهراً يدعو على رَعْل وذَكْوان وعصية، ثم تركه. وكان ذلك لما قتلوا القراء من الصحابة. وثبت عنه أنه قنت بعد ذلك بمدة بعد صلح الحديبية، وفتح خيبر، يدعو للمستضعفين من أصحابه الذين كانوا بمكة. ويقول في قنوته: (اللهم، انج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين. اللهم، اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف). وكان يقنت يدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار، وكان قنوته في الفجر. وثبت عنه في الصحيح أنه قنت في المغرب والعشاء، وفي الظهر، وفي السنن أنه قنت في العصر ـ أيضاً?. فتنازع المسلمون في القنوت على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه منسوخ، فلا يشرع بحال، بناء على أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت، ثم ترك، والترك نسخ للفعل، كما أنه لما كان يقوم للجنازة، ثم قعد. جعل القعود ناسخاً للقيام، وهذا قول طائفة من أهل العراق كأبي حنيفة وغيره. والثاني: أن القنوت مشروع دائماً، وأن المداومة عليه سنة، وأن ذلك يكون في الفجر. ثم من هؤلاء من يقول: السنة أن يكون قبل الركوع بعد القراءة سراً، وألا يقنت بسوي: اللهم، إنا نستعينك... إلى آخرها، واللهم، إياك نعبد، إلى آخرها، كما يقول: مالك. ومنهم من يقول: السنة أن يكون بعد الركوع جهراً. ويستحب أن يقنت بدعاء الحسن بن على الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قي قنوته: (اللهم اهدني فيمن هديت...) إلى آخره. وإن كانوا قد يجوزون القنوت قبل وبعد. وهؤلاء قد يحتجون بقوله تعالى: {حَافِظُواْ على الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَي وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، ويقولون: الوسطى: هي الفجر، والقنوت فيها. وكلتا المقدمتين ضعيفة: أما الأولى: فقد ثبت بالنصوص الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الوسطي هي العصر، وهذا أمر لا يشك فيه من عرف الأحاديث المأثورة. ولهذا اتفق على ذلك علماء الحديث وغيرهم. وإن كان للصحابة والعلماء في ذلك مقالات متعددة، فإنهم تكلموا بحسب اجتهادهم. وأما الثانية: فالقنوت هو المداومة على الطاعة، وهذا يكون في القيام، والسجود. كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} [الزمر: 9]. ولو أريد به إدامة القيام كما قيل في قوله: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43]، فحمل ذلك على إطالته القيام للدعاء، دون غيره، لا يجوز؛ لأن الله أمر بالقيام له قانتين، والأمر يقتضي الوجوب، وقيام الدعاء المتنازع فيه لا يجب بالإجماع؛ ولأن القائم في حال قراءته هو قانت للَّه ـ أيضاً ـ ولأنه قد ثبت في الصحيح: أن هذه الآية لما نزلت أمروا بالسكوت، ونهوا عن الكلام. فعلم أن السكوت هو من تمام القنوت المأمور به.
ومعلوم أن ذلك واجب في جميع أجزاء القيام؛ ولأن قوله: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، لا يختص بالصلاة الوسطي. سواء كانت الفجر أو العصر؛ بل هو معطوف على قوله: {حَافِظُواْ على الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَي وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فيكون أمرا بالقنوت مع الأمر بالمحافظة، والمحافظة تتناول الجميع، فالقيام يتناول الجميع.
واحتجوا ـ أيضاً ـ بما رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في صحيحه، عــن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا قالوا: وقوله في الحديث الآخر: ثم تركه، أراد ترك الدعاء على تلك / القبائل، لم يترك نفس القنوت.
وهذا ـ بمجرده ـ لا يثبت به سنة راتبة في الصلاة، وتصحيح الحاكم دون تحسين الترمذي. وكثيراً ما يصحح الموضوعات، فإنه معروف بالتسامح في ذلك، ونفس هذا الحديث لا يخص القنوت قبل الركوع أو بعده، فقال: ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع إلا شهراً ?، فهذا حديث صحيح صريح عن أنس أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهراً، فبطل ذلك التأويل.
والقنوت قبل الركوع قد يراد به طول القيام قبل الركوع، سواء كان هناك دعاء زائد، أو لم يكن. فحينئذ، فلا يكون اللفظ دالا على قنوت الدعاء، وقد ذهب طائفة إلى أنه يستحب القنوت الدائم في الصلوات الخمس، محتجين بأن النبي صلى الله عليه وسلم قنت فيها ولم يفرق بين الراتب والعارض، وهذا قول شاذ. والقول الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت لسبب نزل به ثم تركه عند عدم ذلك السبب النازل به، فيكون القنوت مسنوناً عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم.
فإن عمر ـ رضي الله عنه ـ لما حارب النصاري قنت عليهم القنوت المشهور: اللهم عذب كفرة أهل الكتاب... إلى آخره. وهو الذي جعله بعض الناس سنة في قنوت رمضان، وليس هذا القنوت سنة راتبة، لا في رمضان ولا غيره، بل عمر قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاء يناسب تلك النازلة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت أولا على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا بدعاء يناسب مقصوده.
فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:
أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه،ليس بسنة دائمة في الصلاة. الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أولا، وثانياً. وكما دعا عمر. وعلى ـ رضي الله عنهم ـ لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده، والذي يبين هذا أنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائماً، ويدعو بدعاء راتب، لكان المسلمون ينقلون هذا عن نبيهم، فإن هذا من الأمور التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، وهم الذين نقلوا عنه في قنوته ما لم يداوم عليه، وليس بسنة راتبة، كدعائه على الذين قتلوا أصحابه، ودعائه للمستضعفين من أصحابه، ونقلوا قنوت عمر وعلي على من كانوا يحاربونهم.
فكيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائما في الفجر أو غيرها، ويدعو بدعاء راتب، ولم ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا في خبر صحيح، ولا ضعيف؟! بل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم أعلم الناس بسنته، وأرغب الناس في اتباعها، كابن عمر وغيره، أنكروا، حتى قال ابن عمر: ما رأينا ولا سمعنا. وفي رواية: أرأيتكم قيامكم هذا: تدَّعون. ما رأينا ولا سمعنا. أفيقول مسلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت دائما؟! وابن عمر يقول: ما رأينا، ولا سمعنا. وكذلك غير ابن عمر من الصحابة، عدوا ذلك من الأحداث المبتدعة.
ومن تدبر هذه الأحاديث في هذا الباب، علم علماً يقيناً قطعياً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت دائماً في شيءٍ من الصلوات، كما يعلم علماً يقينياً أنه لم يكن يداوم على القنوت في الظهر والعشاء والمغرب، فإن من جعل القنوت في هذه الصلوات سنة راتبة يحتج بما هو من جنس حجة الجاهلين له في الفجر سنة راتبة. ولا ريب أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في هذه الصلوات؛ لكن الصحابة بينوا الدعاء الذي كان يدعو به، والسبب الذي قنت له، وأنه ترك ذلك عند حصول المقصود، نقلوا ذلك في قنوت الفجر، وفي قنوت العشاء ـ أيضاً.
والذي يوضح ذلك، أن الذين جعلوا من سنة الصلاة أن يقنت دائماً بقنوت الحسن بن على، أو بسورتي أُبي، ليس معهم إلا دعاء عارض، والقنوت فيها إذا كان مشروعاً، كان مشروعاً للإمام والمأموم والمنفرد، بل وأوضح من هذا أنه لو جعل جاعل قنوت الحسن، أو سورتي أبي سنة راتبة في المغرب والعشاء، لكان حاله شبيهاً بحال من جعل ذلك سنة راتبة في الفجر؛ إذ هؤلاء ليس معهم في الفجر إلا قنوت عارض بدعاء يناسب ذلك العارض، ولم ينقل مسلم دعاء في قنوت غير هذا، كما لم ينقل ذلك في المغرب والعشاء. وإنما وقعت الشبهة لبعض العلماء في الفجر؛ لأن القنوت فيها كان أكثر، وهي أطول. والقنوت يتبع الصلاة، وبلغهم أنه داوم عليه، فظنوا أن السنة المداومة عليه، ثم لم يجدوا معهم سنة بدعائه. فسنوا هذه الأدعية المأثورة في الوتر، مع أنهم لا يرون ذلك سنة راتبة في الوتر.
وهذا النزاع الذي وقع في القنوت له نظائر كثيرة في الشريعة: فكثيراً ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم لسبب، فيجعله بعض الناس سنة، ولا يميز بين السنة الدائمة والعارضة. وبعض الناس يري أنه لم يكن يفعله في أغلب الأوقات، فيراه بدعة، ويجعل فعله في بعض الأوقات مخصوصاً أو منسوخا، إن كان قد بلغه ذلك، مثل صلاة التطوع في جماعة. فإنه قد ثبت عنه في الصحيح: أنه صلى بالليل وخلفه ابن عباس مرة، وحذيفة بن اليمان مرة، وكذلك غيرهما.
وكذلك صلى بعتبان بن مالك في بيته التطوع جماعة، وصلى بأنس ابن مالك وأمه واليتيم في داره، فمن الناس من يجعل هذا فيما يحدث من [صلاة الألفية] ليلة نصف شعبان، والرغائب، ونحوهما مما يداومون فيه على الجماعات.
ومن الناس من يكره التطوع؛ لأنه رأي أن الجماعة إنما سنت في الخمس، كما أن الأذان إنما سن في الخمس. ومعلوم أن الصواب هو ما جاءت به السنة، فلا يكره أن يتطوع في جماعة. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجعل ذلك سنة راتبة. كمن يقيم للمسجد إمامًا راتباً يصلي بالناس بين العشائين، أو في جوف الليل، كما يصلي بهم الصلوات الخمس، كما ليس له أن يجعل للعيدين وغيرهما أذاناً كأذان الخمس؛ ولهذا أنكر الصحابة على من فعل هذا من ولاة الأمور إذ ذاك.
ويشبه ذلك من بعض الوجوه تنازع العلماء في مقدار القيام في رمضان، فإنه قد ثبت أن أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان، ويوتر بثلاث. فرأي كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكر. واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة؛ بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم.
وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، واضطرب قوم في هذا الأصل، لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين، وعمل المسلمين.
والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما قد نص على ذلك الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها عدداً. وحينئذ، فيكون تكثير الركعات وتقليلها، بحسب طول القيام وقصره.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام بالليل، حتى إنه قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة، والنساء، وآل عمران فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات. وأبي بن كعب لما قام بهم ـ وهم جماعة واحدة ـ لم يمكن أن يطيل بهم القيام. فكثر الركعات ليكون ذلك عوضاً عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدي عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام فكثروا الركعات حتى بلغت تسعاً وثلاثين.
/وممـا يناسب هـذا أن الله ـ تعالى ـ لمـا فـرض الصلـوات الخمس بمكـة، فرضها ركعتيــن ركعتين، ثم أقرت في السفر، وزيـد في صلاة الحضر، كما ثبت ذلك في الصحيح عن عائشة ـ رضـي الله عنها ـ أنها قالت: لما هاجـر إلى المدينة زيد في صــلاة الحضر، وجعلت صــلاة المغرب ثلاثا؛ لأنهـا وتر النهار، وأما صلاة الفجر فأقرت ركعتين لأجل تطويل القراءة فيها، فأغني ذلك عن تكثير الركعات. وقد تنازع العلماء: أيما أفضل: إطالة القيام أم تكثير الركوع والسجود أم هما سواء؟ على ثلاثة أقوال: وهي ثلاث روايات عن أحمد.
وقد ثبت عنه في الصحيح أي الصلاة أفضل؟ قال: [طول القنوت]. وثبت عنه أنه قال: (إنك لن تسجد للَّه سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة). وقال لربيعة بن كعب: (أعني على نفسك بكثرة السجود).
ومعلوم أن السجود في نفسه أفضل من القيام، ولكن ذكر القيام أفضل، وهو القراءة، وتحقيق الأمر أن الأفضل في الصلاة أن تكون معتدلة. فإذا أطال القيام يطيل الركوع والسجود، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل، كما رواه حذيفة وغيره.
وهكذا / كانت صلاته الفريضة، وصلاة الكسوف، وغيرهما: كانت صلاته معتدلة، فإن فضل مفضل إطالة القيام والركوع والسجود مع تقليل الركعات وتخفيف القيام والركوع والسجود مع تكثير الركعات، فهذان متقاربان. وقد يكون هذا أفضل في حال، كما أنه لما صلى الضحي يوم الفتح صلى ثماني ركعات يخففهن، ولم يقتصر على ركعتين طويلتين. وكما فعل الصحابة في قيام رمضان لما شق على المأمومين إطالة القيام.
وقد تبين بما ذكرناه أن القنوت يكون عند النوازل، وأن الدعــاء في القنــوت ليــس شيئاً معيناً، ولا يدعو بما خطــر له، بل يدعو مــن الدعــاء المشـروع بما يناسب سبب القنوت، كما إنه إذا دعا في الاستسقاء دعا بما يناســب المقصــود، فكذلك إذا دعا في الاستنصار دعا بما يناسب المقصود، كما لو دعا خارج الصلاة لذلك الســبب؛ فإنه كان يدعو بما يناسب المقصود، فهذا هو الذي جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين.
ومن قال: إنه من أبعاض الصلاة التي يجبر بسجود السهو، فإنه بني ذلك على أنه سنة يسن المداومة عليه، بمنزلة التشهد الأول، ونحوه. وقد تبين أن الأمر ليس كذلك، فليس بسنة راتبة، ولا يسجد له، لكن من اعتقد ذلك متأولاً في ذلك له تأويله، كسائر موارد الاجتهاد.
ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد، / فإذا قَنَتَ قَنَتَ معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به). وقال: (لا تختلفوا على أئمتكم)، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يُصَلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم). ألا تري أن الإمام لو قرأ في الأخيرتين بسورة مع الفاتحة وطولهما على الأوليين: لوجبت متابعته في ذلك. أما مسابقة الإمام، فإنها لا تجوز.
فإذا قنت لم يكن للمأموم أن يسابقه، فلابد من متابعته، ولهذا كان عبد الله بن مسعود قد أنكر على عثمان التربيع بمني، ثم إنه صلى خلفه أربعاً، فقيل له: في ذلك؟! فقال: الخلاف شر. وكذلك أنس بن مالك لما سأله رجل عن وقت الرمي، فأخبره، ثم قال: افعل كما يفعل إمامك. والله أعلم.
توقيع ماري قال فضيلُ بن مرزوقٍ: "سَمِعْتُ الحَسَنَ بَنَ الحسنِ يقولُ لرجلٍ من الرافضةِ: واللهِ إن قَتْلكَ لقربةٌ إلى اللهِ، وما أمتنعُ من ذلك إلا بالجوارِ"، وفي رواية قال: "رَحَمِكَ اللهُ قَدْ عرفتُ إنما تقولُ هذا تمزحُ، قال: لا، واللهِ ما هو بالمزح ولكنهُ الجد، قال: وسمعته يقول: لئن أمكننا الله منكم لنقطعنَّ أيديكُم وأَرْجُلَكُمْ". | |
|